رفح .. ما تبقى من شرف القرار العربي
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
خمسة شهور من الحرب والتدمير كانت كافية لتوضح الصورة عند الجميع ، وان نصف مليار نسمة من العرب لا قيمة لهم في موازين القرار . وان العرب يقولون ما لا يفعلون ، وان لا أثر في المحافل الدولية وامام العالم لكلامهم ولا لقرارات حكوماتهم ولا لمراسيم زعمائهم . وكانت هذه الحرب كافية لنفهم ان إسرائيل تقول وتفعل .
قالت إسرائيل انها سوف تمسح قطاع غزة مسحا مثل السجادة وفعلت ، وقالت انها ستقطع الماء والغذاء والدواء والهواء عن غزة وفعلت . وقالت انها ستمنع العرب والعالم عن ادخال اية مساعدات إنسانية لأطفال غزة وفعلت . وقالت انها سوف تقتحم المستشفيات وتقتل كل من يتحرك وفعلت .
ويكاد احساسي يأخذني ان إسرائيل كانت تملك الرغبة لضرب غزة بقنبلة نووية لولا وجود مئات الاسرى الإسرائيليين فيها . ولولا هذا لما ترددت في استخدام أسلحة الدمار الشامل لتنتقم ليوم السابع من أكتوبر .
اشهر الحرب علمتنا ان النظام السياسي الفلسطيني عاقر بالوراثة وهو امتداد للنظام العربي السياسي . ورغم كل هذا الدمار والويلات ودماء الأطفال لم يعمل أي تنظيم على إعادة قراءة نفسه او خطابه السياسي والايديولوجي . وان الله ابتلى الشعب الفلسطيني بقيادات تدير أزمات وتكرر نفسها وخطاياها من دون ان تبتكر اية حلول .
أعلنت إسرائيل رسميا انها سوف تهاجم رفح ، وانها سوف تقتل وتدمر كل شيء . وأعطى نتانياهو الامر للجيش بالاستعداد لبدء الهجوم على رفح حتى في شهر رمضان . وقالت العرب انها تحذر وتشجب وتستنكر وتنشر الجيوش وتفتح الهواء للبث المباشر .
رفح ليست مجرد مدينة ، ولا مكان يتجمّع فيه نحو مليوني نازح فقير ومعدم ومتعب وجائع . ان رفح فكرة صادمة تكشف عورات الجميع وتعيد قراءة المشهد . وان جميع تظاهرات العالم العربي لا ترقى الى مستوى قرار واحد يكفكف دموع طفل يتيم يركض حافيا في شوارع خانيونس .
رفح هي الشعرة التي تقسم ظهر البعير العربي . هي عنوان الشرف العربي المسكوب ، وهي المرآة التي يجب ان تكون في مكتب كل صانع قرار .
لا يبكي العرب رفح فهذه استعارة في غير محلها وسرقة للعواطف . بل اتركوا رفح تبكي العروبة.