هذه الحرب لن ينتصر فيها أحد
الكاتب: / د. ناصر اللحام
لقد كانت عملية طوفان الأقصى حربا مستقلة كاملة بحد ذاتها ، لا قبلها ولا بعدها . وتكبدت إسرائيل فيها خسارة لا يمكن حصرها عسكريا وامنيا وسياسيا وفكريا ووجوديا .
حرب كاملة متكاملة استمر نحو 12 ساعة شعرت إسرائيل فيها انها انهارت وأنها انتهت وانمحى اسمها من التاريخ ، وشعرت حماس انها بهذه المعركة صنعت تاريخا لا تمحوه كل الحروب .
بعد ذلك شنت الولايات المتحدة الامريكية حربا شاملة على الشعب الفلسطيني وعلى لبنان وسوريا والعالم العربي ، وجاء الرئيس الأمريكي شخصيا يدير المعركة وارسل وزير دفاعه ووزير خارجيته وجنرالاته واساطيله واساطيل وجيوش الأطلسي لمساعدة إسرائيل ان تقف على رجليها وتنتقم من اهل غزة .
ندخل الأسبوع الرابع ولا يزال القصف يطال المنازل والمؤسسات والابراج والمدراس والمشافي . ويقول قادة أمريكا : ممنوع ان تنهزم إسرائيل ، لأنها اذا انهزمت تنهزم أمريكا في الشرق الأوسط كله .
فجأة ، يجد سكان غزة المحاصرين الطيبين انفسهم في مواجهة معادلة القوى العالمية وان الحرب نصف العالمية التي تدور ، انما تدور في منازلهم وغرف أطفالهم وفي المشفى وان الطائرات والبوارج والصواريخ والقذائف الاحدث في العالم تشرب من دمهم ومن دم أطفالهم على البث المباشر !
التوغل البري الإسرائيلي ليس مرتبكا ابدا . وانما يلفه التضليل والضبابية عمدا . والغزوات البرية بالدبابات و التي يعتقد بعض المحللين انها مرتجفة ، انما هي استكشافية هدفها معرفة مستوى نيران المقاومة ونوعية السلاح الذي تمتلكه حماس ولياقة المقاتل الفلسطيني .
قطع الانترنت والاتصالات عن غزة بعد قطع الماء والكهرباء والدواء والغذاء ليس لمنع العالم من رؤية ما يحدث . بل هو عقوبة جماعية لأهل غزة لتحطيم معنوياتهم ، وبالتالي تحطيم معنويات المقاتلين الذين يحملون السلاح . انها الطريقة الامريكية الغبية في معالجة الأمور على مبدأ ( المبالغة في كل شيء ، المبالغة في القتل وفي الألم وفي التدمير حتى لا يدق العقل ما يراه ) .
ان هزيمة أمريكا في أفغانستان تركت فواتير كثيرة على طاولة البيت الأبيض ، والان تريد أمريكا ان تصفر فواتيرها على حساب غزة .
نعم دخلت الدبابات الإسرائيلية برا الى قطاع غزة . ولكن المهم كيف تخرج وفي أي حال .
نعم قتلوا كل شيء في غزة وبشكل مبالغ فيه . ولكن ماذا قتل التدخل الأمريكي أيضا في إسرائيل!
نعم نتألم . نعم نبكي . ولا ننام الليل من شدة الألم وصراخ الأطفال . ويخسر الفلسطيني أغلى ما يملك ( ولده ومنزله ) . ولكن إسرائيل خسرت ما لا تعرفه بعد !
لن يجرؤ أي قائد فلسطيني او إسرائيلي او عربي او عجمي ان يخرج بعد هذه الحرب ويقول لأهل غزة ( انتصرنا ) . فهذه حرب إبادة على السكان لا تعني سوى انحطاط إسرائيل وانحطاط الفكر الصهيوني العنصري وانحطاط العرب وانحطاط السياسيين .